فصل: مسألة قال لامرأته اختاري فنقلت متاعها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يجعل زوجها بيدها الخيار إلى أجل مسمى:

ومن كتاب الأقضية:
قال يحيى: وسألت ابن وهب عن المرأة يجعل زوجها بيدها الخيار إلى أجل مسمى، فلما حل الأجل، لم تقل شيئا، ولم تقض بطلاق ولا غيره، ثم بدا لها بعد انقضاء الأجل: فأرادت أن تطلق نفسها بالذي كان من الخيار بيدها، فقال الذي أخذ به في هذه الأجل ولها في نفسها وليس لها بيدها من طلاقها شيء، إذا لم تقض به عند الأجل الذي جعل ذلك بيدها عنده، وهي عندي بمنزلة المرأة يخيرها زوجها وهما قاعدان، فلا تقضي شيئا حتى يقوم عنها ويفترقان من مجلسهما غير هارب عنها، ولا متعجل للقيام، ليقطع ما جعل بيدها، فلا يكون لها شيء مما كان أعطاها إذا لم تقض به حتى افترقا من مجلسهما بحال ما وصفت لك، وكذلك الذي يجعل الخيار بيدها عند أجل من الآجال فتركته عند الأجل، أرى ألا شيء لها بعد انفصاله.
قال محمد بن رشد: جعل ابن وهب حكم التي وجب لها التمليك بانقضاء الأجل، كحكم المواجهة بالتمليك في سقوط ما بيدها، بترك القضاء عند الأجل، الذي وجب لها التمليك فيه، وذلك مثل قول أشهب في سماع زونان.
ومثل قول ابن القاسم في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب النكاح خلاف المشهور من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك وقد مضى القول على هذه المسألة موعبا في رسم حلف من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي غير ما موضع فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يصالح عن امرأته:

ومن كتاب أول عبد ابتاعه قال:
وسألته عن الرجل يصالح عن امرأته، أو عن رجل أجنبي، على أمر يدفعه إلى الذي يصالحه من مال الذي يصالح عنه، فإن أنكر ذلك المصالح عنه، فهو في مال المصالح. قال: وذلك جائز لازم للذي صالح، والغرم عليه إن كره الذي صولح عنه أن يقبل ما أوجب عليه المصالح من الغرم.
قلت: وإن اشترط المصالح على الرجل أني إنما أدفع ما أصالح به من مالي، فإن أنكر الذي أصالح عنه، فأنا أقوم عليه بمثل ما كان يطلبه الذي صالحت عنه إن أنكر صلحي عنه وسخطه.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه المسألة أنه إنما أوجب على المصالح غرم عن الزوجة بغير إذنها أو عن الغريم الذي عليه الدين بغير إذنه، وهو منكر لما عليه من الدين، إذا لم يرض واحد منهما بالصلح من أجل أنه اشترط ذلك عليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب إرخاء الستور من المدونة وقول ابن حبيب في كتاب الوثائق: إن المرأة ترجع على الزوج، ولا يرجع الزوج على من صالحه عنها إلا أن يشترط عليه الضمان، وهو خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة وفي نوازله بعد هذا من هذا الكتاب من أنه إذا صالح ضامن، وإن لم يشترط عليه أنه ضامن؛ لأنه بمصالحته إياه أخرج امرأته من يده، أو طرح سائر دينه، فذلك كالمبايعة.
وقال ابن دينار: إن صالح عن المرأة أبوها أو ابنها أو أخوها أو من له قرابة، فهم ضامنون، وأما غيرهم فلا، ولم يجب على ما سأله عنه من اشتراط المصالح عن الرجل، إنه يدفع ذلك من ماله، على أنه إن أنكر ذلك المصالح عنه اتبعه بمثل ما كان يطلبه به، للذي صالحه عنه، والجواب عن ذلك أنه لا يجوز؛ لأنه مخاطرة وغرر وشراء دنانير مجهولة، بدنانير معلومة، فذلك في الحرام البين الذي لا خفاء به، ولو اشترط أنه إن أنكر المصالح عنه، رجع في ماله، وأخذه لما جاز ذلك أيضا على قياس مسألة نوازل عيسى من كتاب المديان والتفليس، فتدبر ذلك وبالله التوفيق. وأما إذا كان الذي عليه الدين مقرا بما عليه، فصالح عنه بغير ما عليه، ففي ذلك ثلاثة أقوال قائمة من المدونة.. أحدها أنه لا يجوز أن يصالح عنه بما يكون فيه مخيرا بين أن يدفع ما عليه أو ما صالح به عنه إلا أن يكون التخيير يرجع إلى قلة وكثرة.
والثاني إن ذلك جائز، وإن كان مخيرا في كل حال، والثالث أنه يجوز إن كان التخيير يرجع إلى ما يجوز تحويل بعضه في بعض، ولا يجوز إن كان التخيير يرجع إلى ما لا يجوز تحويل بعضه في بعض، وهذه جملة سيأتي تفسيرها في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق.

.مسألة تصالح زوجها على عبد في الحضر:

ومن سماع سحنون من عبد الرحمن بن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن المرأة تصالح زوجها على عبد في الحضر، فوجد به عيبا أو يموت، فتدعي المرأة أنه مات بعد الصلح، وينكر الزوج، قال: على المرأة البينة أنه مات بعد الصلح، أو حدث به عيب بعد الصلح.
قلت له: فإن ثبت أنه مات بعد الصلح، لا يكون فيه عهدة قال: لا، وليس هو مثل البيع.
قال محمد بن رشد: اعترض بعض أهل النظر قوله في هذه المسألة، على المرأة البينة أنه حدث به عيب بعد الصلح، وقال: هذا خلاف أصولهم في أن ما كان من العيوب يقدم ويحدث، ولا يدرى إن كان حادثا بعد العقد، أو قديما قبله، القول فيه قول البائع، فكان ينبغي أن يكون القول قول المرأة في أن العيب لم يكن بالعبد يوم الصلح، أو لم يعلم أنه كان به يومئذ، إن كان مما يخفى، إلا أن يكون للزوج بينة أنه كان به عندها، وليس ذلك بصحيح، بل المسألة صحيحة، لا فرق بين العيب والموت إذا وجد العيب بالعبد قبل القبض؛ لأن ذهاب البعض كذهاب الكل، وهو معنى المسألة، وقد نص ابن حبيب على ذلك، وبين الفرق بين وجود العيب الذي يقوم ويحدث قبل القبض أو بعده في البيوع من الواضحة. فانظر ذلك، وقف عليه، والله المعين.

.مسألة اشتكت به امرأته أنه يضربها ويؤذيها:

من سماع عبد المالك بن الحسن من ابن وهب قال عبد المالك: سئل عبد الله بن وهب عن رجل اشتكت به امرأته أنه يضربها ويؤذيها، فكتب لها على نفسه كتابا إن عاد إلى أذاها فهي مصدقة فيما تدعي من أذاه لها، وأمرها بيدها، تختار نفسها بطلاق البتة، فلما كان بعد أيام، أشهدت تلك المرأة رجالا وزوجها غائب عنها، أن زوجها قد عاد، إلى آذاها، وأنها قد طلقت نفسها، فأنكر الزوج أن يكون أذاها، وندمت المرأة فيما كانت أشهدت عليه الشهود من شكيتها الأذى، وطلقت نفسها ألبتة، وأنكرت أن يكون أذاها وزعمت أنها لعب بها وخدعت حتى كذبت على زوجها، فهل يلزمها وزوجها ما كان من طلاقها نفسها ويجوز قولها: إن زوجها آذاها حتى أشهدت على طلاقها نفسها، ولا يعرف ذلك إلا بما قالت يومئذ، فقال: قد بانت منه بالبتة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره؛ لأنه قد أعطاها التصديق، وجعل القول قولها، وقد زعمت الضرر واختارت عليه نفسها. فلم يبق بيده ولا بيدها قليل ولا كثير، ولا ينفعها ندمها بعد ذلك، وتكذيبها نفسها، وقولها: خدعت ليس بنافعها بعد وقوع الطلاق عليها.
وقال أشهب: سواء في جميع ذلك رجوعها، لا رجوع لها، ولكن ينظر متى ادعت أنه قد أتى إليها ما وجب لها به التمليك وفارقت، فإن كان بين ذلك الأيام، أو أقرت بأنها لم تفارقه إلا بعد افتراقهما من المجلس الذي آذاها فيه، فلا خيار لها؛ لأنها تركت الخيار حين وجب لها، وإن كان ذلك قريبا أو كانت قد قالت أو تقول الآن إنما قلت لكم: إني اخترت في المجلس، فقد وجب الفراق بينهما، وإن أنكرت أو كذبت نفسها.
قال محمد بن رشد: قول أشهب: إنها إن أقرت أنها لم تفارقه إلا بعد افتراقهما من المجلس الذي آذاها فيه، فلا خيار لها، هو مثل قول ابن وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى: إن ذلك بمنزلة المواجهة بالتمليك سواء، يسقط حقها بانقضاء المجلس الذي وجب لها فيه التمليك، على قول مالك الأول، ومثل قول ابن القاسم في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب النكاح، خلاف المشهور من قوله وروايته عن مالك، والذي يأتي في هذه المسألة على المشهور من قول مالك، إن ذلك بيدها وإن طال الأمر بعد الوقت الذي وجب لها فيه التمليك، بأذاه إياها إذا منعته نفسها، بدليل امتناعها منه كالأمة تعتق تحت العبد، وقد مضى هذا المعنى مشروحا مبينا في رسم حلف من سماع ابن القاسم قبل هذا.
وأما قول ابن وهب في إعمال التصديق الذي جعل إلى الزوجة، وإمضاء الطلاق عليها، فلا اختلاف فيه، إذا لم يكن ذلك شرطا في أصل العقد، وقد اختلف إذا كان التمليك بشرط التصديق في الضرر، مشترطا في أصل العقد.
فروي عن سحنون أنه قال: أخاف أن يفسخ قبل البناء، فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر. وكان ابن دحون يفتي بأن من التزم التصديق في الضرر، إن ذلك لا يلزمه، ولا يجوز إلا بالبينة، ومن هذا المعنى مسألة الذي يزوج أجيرا له جارية له على أنه إن رأى منه أمرا يكرهه، فأمرها بيده، وقد مضى القول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، فقف عليه، فإن الاختلاف الذي ذكرته فيها داخل بالمعنى في شرط التصديق في الضرر في أصل العقد، والله الموفق.

.مسألة قال لامرأته اختاري فنقلت متاعها:

وسئل عن رجل قال لامرأته: اختاري، فنقلت متاعها، فسئلت فقالت: لم أرد شيئا، فقال: إن لم تكن اختارت فلا شيء لها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة طلق امرأته تطليقة ثم قالت له أنا أعطيك عشرة دنانير:

وقال أشهب: في رجل طلق امرأته تطليقة ثم قالت له: أنا أعطيك عشرة دنانير، على أن لا تراجعني، فقال: إن شاء راجعها، فإن راجعها رد عليها العشرة.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا، خلاف قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وليس خلافا لما في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم؛ لأنها مسألة أخرى، لا اختلاف فيها.
وقد مضى القول هناك، وفي سماع عيسى، وظاهر قول أشهب هذا إن الأمر لا يلزمه وإن قبض العشرة، وله أن يردها بعد أن قبضها ويراجعها، وهو بعيد؛ لأنه إذا قبض العشرة، فقد ألزم نفسه ما واجبته عليه المرأة من إسقاط حقه في مراجعته إياها، ولزمته بذلك طلقة واحدة، قولا واحدا.
وإنما الخلاف إذا قال لها لما جاءته بالعشرة: لا أخذها، ولا أترك حقي في المراجعة؛ لأني لم أوجب ذلك على نفسي، وإنما وعدت به، وذلك على قياس المسألة التي مضى الكلام عليها في أول سماع ابن القاسم، وهي إذا قالت المرأة لزوجها: خذ مني عشرين دينارا، وفارقني، فلما جاءته بها قال: لا آخذها ولا أفارقك ويدخل فيها القول الثالث، وهو الفرق بين أن تبيع بالعشرة متاعها، وتكسر بها عروضها، وبين أن تأتيه بها من غير شيء تفسده على نفسها، فينبغي ألا يحمل قول أشهب على ظاهره، وأن يتأول على ما يصح، فيقال: إن معنى قوله: ويرد العشرة أي يتركها، ولا يأخذها منها، وذلك جائز في الكلام، كما يقول الرجل رددت السلعة بالعيب، وإن كان لم يقبضها بعد؛ لأن ما وجب للرجل قبضه، فكأنه قد قبضه، وإذا حمل قول أشهب هذا على أنه لم يقبض العشرة، احتمل أن يحمل ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى على أنه قبض العشرة، فلا يكون ذلك اختلافا من القول، وبالله التوفيق.

.مسألة ملك امرأته نفسها فقالت اخترت أمري:

ومن سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب النكاح قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن ملك امرأته نفسها فقالت: اخترت أمري، فسئلت ما أردت بذلك، فقالت: الصلح فتفرقا على ذلك ثم علم أنه صلح، فلا يراجعها إلا بنكاح جديد، وإن خيرها فقالت مثل ذلك، فهو سواء، وهو صلح إذا كان قد رضي بذلك. قيل له: إنما ظن أنه يلزمه، فقال: أليس قد رضيا وافترقا على الرضا. قال: هو صلح، قال أصبغ: هذا الجواب على رأي من لا يرى قولها: اخترت أمري ولم تسم الصلح، وأراد به شيئا. وأنا لا أرى ذلك الرأي؛ لأن قولها اخترت أمري في الخيار والتمليك فراقا لأنه عندي جواب له للكلام إلى آخر قول أصبغ.
قال محمد بن رشد: إنما ألزمه الصلح الذي قالت المرأة إنها أرادته بقولها: قد اخترت أمري في التخيير والتمليك، لرضى الزوج به، وافتراقهما عليه، ولو لم يرض به، وأنكره لم يلزمه شيء في المسألتين جميعا؛ لأنه يرى قولها: اخترت أمري طلاقا.
هذا ظاهر الرواية، ومعنى ذلك: إذا قالت أردت الصلح أو رضيت الصلح به، وأما إن قالت: إنما أردت بذلك أني اخترت طلقة الصلح، أو طلاق الصلح، لا تنبغي ألا يكون في التخيير شيئا، وأن يكون له أن يناكرها في التمليك، بمنزلة إذا ملكها أو خيرها فقالت: قد اخترت واحدة بائنة، على ما مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك هنالك. ولا اختلاف في قولها اخترت نفسي إن ذلك ثلاثا، ولا تسأل المرأة عما أرادت بذلك، ولا في قولها قبلت أمري إنها تسأل فيما أرادت بذلك، واختلف في اخترت أمري وقبلت نفسي، فذهب أصبغ إلى أنهما جميعا ثلاث ثلاث، ولا تسأل ما أرادت بذلك، وذهب أشهب إلى أنها تسأل فيهما جميعا. وذهب ابن القاسم، تسأل في اخترت أمري، ولا تسأل في قبلت نفسي. فهذا تحصيل القول في هذه الأربعة ألفاظ، وبالله التوفيق.

.مسألة له أربع نسوة فسافر فقدم بخامسة فزعم أنه قد كان خير امرأة من نسائه:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن رجل له أربع نسوة، فسافر، فقدم بخامسة، فزعم أنه قد كان خير امرأة من نسائه، فاختارت نفسها وسماها، وقالت المرأة: لم يخيرني، قال: لا يقبل قوله، ويفرق بينه وبين الخامسة، ويدرأ عنه الحد فيها إن كان أصابها، وتطلق عليه المرأة التي زعم أنه كان خيرها فاختارت، وتستقبل العدة من يوم أظهر وأخبر أنه خيرها، وتستبرئ الأولى التي تزوجها، وفرق بينهما نفسها بثلاث حيض، إن كان أصابها ودخل بها، ثم يكون خاطبا من الخطاب فيها قال أصبغ مثله، وقال: فإن صدقته المرأة في الخيار وفي الاختيار، فلا يصدق، ولا ينتفع بذلك، والجواب فيها على جواب التكذيب والإنكار سواء في جميع ذلك.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم، والمسألة كلها بينة صحيحة؛ لأنه يؤخذ في الحكم الظاهر بما أقر به على نفسه من طلاق التي خيرها فاختارت نفسها، ولا يصدق في الباطن على ذلك؛ لأنه مدع فيه ليصح له نكاح الخامسة، فعليه إقامة البينة على ذلك.
وقوله: إنها تستقبل العدة من يوم أظهر وأخبر أنه خيرها، معناه العدة التي يباح لها بالحكم أن تتزوج بانقضائها، وأما العدة التي تحل بها للأزواج في باطن الأمر فيما بينها وبين الله، فمن يوم خيرها واختارت نفسها، وبالله التوفيق.

.مسألة يرسل إلى امرأته يملكها أمرها:

وسمعته وسئل عن الرجل يرسل إلى امرأته يملكها أمرها، ثم يبدو له قبل أن يبلغ لها ذلك الرسول، وكيف إن توانى الرسول، فذهب غيره ممن سمع ذلك منه إليها، فقالت: قد اخترت نفسي، قال: قد وقع الفراق في هذا الوجه وخرج ما كان في يده، وليس له أن يرد الرسول إذا كانت الرسالة على الإجماع، وإنما هو بمنزلة الكتاب إذا كتب على الإجماع، فليس له أن يحبسه إلا أن يكون حين كتبه أراد أن يستشير وينظر، فذلك له.
قال محمد بن رشد: قوله: وليس له أن يرد الرسول إذا كانت الرسالة على الإجماع، يدل على أنه إذا كانت الرسالة على غير الإجماع، وعلى أنه يرد الرسول إن أحب فذلك له، ولا اختلاف في هذين الوجهين البينين، وإنما الاختلاف إذا أرسله ولم تكن له نية على ما هو محمول، فحمله في المدونة على الإجماع حتى يريد غيره الإجماع، وفي رسم العتق من سماع عيسى على غير الإجماع حتى يريد الإجماع، وقد مضى القول على ذلك هنالك، ولا أعلم في الكتاب اختلافا أنه إذا كتبه، ولا نية له، أنه محمول على الإجماع.
ويلزمه الطلاق، ولا في أنه أكتبه على أن ينظر ويستشير، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألا ينفذه، لم ينفذه، فأرسل به ولا نية له أن الطلاق قد لزمه حسبما ذكرناه في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة، واتفاقهم على هذا في الكتاب يقتضي على اختلافهم في الرسول، ويبين أن الأصح من القولين في ذلك ما في المدونة، وبالله التوفيق.

.مسألة صالح امرأته وادعى أنه صالحها على عبدها فلان:

من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ وسئل عن رجل صالح امرأته، وادعى أنه صالحها على عبدها فلان، وادعت أنها صالحته على عشرة دنانير، وأنكرت دعواه في العبد، فأقام شاهدين، فشهدا أنه إنما صالحها على العبد، وأقامت هي أيضا شاهدين أنها صالحته على عشرة دنانير، وزعم الشهود الأربعة أنهم حضروا صلحهما في يوم واحد، وساعة واحدة، وكلمة واحدة، فقال شاهدان: لفظ لفظة، فصالح فيها على العبد ورضيت، وقال آخران: بل تلك اللفظة التي لفظها قد حضرناها معكم. إنما صالحها على عشرة دنانير.
قال أصبغ: هذه بينة قد أكذبت بعضها بعضا اجتمعت على أن اللفظة كانت واحدة، واختلفتا فيما وقع به الصلح، فأرى الشهادة كلها مطروحة؛ لأن البينة متكافئة ومكذبة بعضها بعضا، كأنها لم تشهد أصلا، فإن شاء الزوج أخذ العشرة التي أقرت بها المرأة فذلك، وإلا فقد تم الصلح ولا شيء له.
قلت: فإن ادعى الزوج حين شهدت البينتان، أنه صالحها بالأمرين جميعا: الدنانير، والعبد، قال: ذلك سواء؛ لأن البينة قد أكذبت بعضها بعضا فهي مطروحة.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا صحيح على مذهب ابن القاسم؛ لأنه لم يختلف قوله في أن الشهود إذا اختلفوا هكذا في نوعين، وتكافأت البينتان أنهما تسقطان، وإنما اختلف قوله إذا شهدت إحدى البينتين بأكثر مما شهدت به البينة الأخرى، فمرة قال: إنه يؤخذ بالبينة التي زادت، وهو المشهور من قوله، ومرة قال: إنهما إذا تكافأتا سقطتا، كاختلافهما في النوعين. والقولان في المدونة.
وقد فرق بين أن تكون الزيادة في المعنى دون اللفظ، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة، والثانية بخمسين، وبين أن تكون الزيادة في اللفظ والمعنى، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة وخمسين والثانية بمائة، وهي تفريقة حسنة، لها وجه ظاهر.
وقد روى المدنيون عن مالك، أن الشهود إذا اختلفوا في النوعين، قضى بشهادتهما جميعا، ولم يجعل ذلك تكاذبا، فعلى قوله: إن ادعى الزوج العبد والدنانير، قضى له بهما جميعا، وإن ادعى العبد، قضى له به بشهادة من أحقه له، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته أنت صلح أو أنت طالق طلاق الصلح:

وسألته عن الرجل يقول لامرأته: أنت صلح، أو أنت طالق طلاق الصلح، أو قد صالحتك، أو يقول للناس: اشهدوا أني قد صالحت امرأتي والمرأة حاضرة أو غائبة عالمة أو لم تعلم، راضية أو كارهة، قال: فذلك كله سواء، وهي طالق طلقة بائنة، لا رجعة له عليها، أخذ منها شيئا أو لم يأخذ، فذلك كله سواء، وكذلك إن قال لها: أنت مبارية، أو قال: قد طلقتك طلاق المباراة، أو باريتك، أو قد باريتها، رضيت بذلك أو لم ترض، فهي طالق طلاق المباراة، وطلاق الصلح في كل ما سألت عنه.
قال لي: وأما قوله: أنت طالق طلقة بائنة، فهذه كقوله: أنت بائنة. وألغى قوله أنت طالق طلقة لقوله بائنة، فهي بائنة. وكذلك حين قال: أنت طالق طلاق الصلح ألغى قوله: أنت طالق، وجعله صلحا، وضعف قول من يقول: إن قوله أنت طالق طلاق الصلح، وقوله قد صالحتك، ولم ترض إن ذلك ثلاث.
قال محمد بن رشد: هذا كله مذهب ابن القاسم. وقد مضى في رسم إن خرجت من سماع عيسى بيان مذهبه في ذلك وما فيه من الاختلاف فلا معنى لإعادته، وتكررت المسألة أيضا في رسم الصلاة من سماع يحيى، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترط لامرأته كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها:

وقال: فيمن اشترط لامرأته كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، فتزوج عليها سرا وكتمها، ثم طلق التي شرط ذلك لها قال ذلك بيدها وإن طلقها.
قال محمد بن رشد: ابن الماجشون لا يرى بيدها شيئا من ذلك بعد طلاقها، ومعناه في الطلاق البائن على ما روي عن سحنون وقد مضت المسألة والقول فيها في سماع أصبغ من كتاب النكاح، وبالله التوفيق.

.مسألة يأتي الجماعة فيقول لهم اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا دينارا:

وسئل ابن نافع عن الرجل يأتي الجماعة فيقول لهم: اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا دينارا، والمرأة غائبة، هل ترى لهذا خلعا، حضرت المرأة، أو غابت أمضت الخلع أو أنكرته؟ قال: أراه خلعا بائنا، وتطليقة بائنة إلا أن يكون أراد أكثر من ذلك منها، فيكون إلى ما أراد به من الأكثر، ويقال للمرأة إذا حضرت أتمضين الذي ادعى عليك من عطيتك له في خلعك أم لا تمضين؟ فإن أمضته له فكسبيل ذلك، وإن أبت مضى الخلع وكانت أملك بنفسها، وحلفت له أنها لم تعطه شيئا ولم يكن له من الذي ادعاه من عطيتها قليل ولا كثير، ويمضي الخلع.
قال محمد بن رشد: قوله: ويقال للمرأة إذا حضرت أتمضين ما ادعى عليك من عطيتك له أم لا تمضين؟ يدل على أنه إنما أراد بقوله في مغيب المرأة: اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا، أي اشهدوا على أني قد خالعتها قبل هذا فيما بيني وبينها على كذا وكذا.
وهذا ما لا اختلاف فيه، أن الخلع له لازم، فإن أقرت المرأة بما ادعى عليها أنها سمته له على الخلع لزمها، وإلا حلفت وسقط عنها والطلاق لازم له على كل حال، وإنما الاختلاف إذا قال لهم وهي غائبة: أشهدكم أني قد خالعتها لقوله هذا على كذا وكذا، هل يلزمها الخلع إن لم ترض أن تعطيه ما خالع عليه أم لا؟ على قولين وقد مضى ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة البكر يزوجها وليها ثم يباريها وليها:

قيل لأصبغ: ما تقول في البكر يزوجها وليها، ثم يباريها وليها من زوجها برضاها، أو تباري هي عن نفسها، ووليها ليس بوالد ولا وصي؟ وكيف إن كانت صغيرة لم تبلغ المحيض زوجها أبوها ثم هلك عنها، فباراها زوجها قبل بلوغها وقبل دخوله بها، ثم تنتقض وتطلب نصف صداقها؟ وكيف أن يباريها إلا بحميل يحمل له بما أدركه من قبلها في نصف صداقها؟ هل يلزم الحميل حمالته إن رأيت أن لها نصف الصداق؟ قال: لا يجوز عليها ما بارت به ما دامت في حال الصغر ولم تحض، أو السفه بالضعف، وحد الولاية لو كان لها ولي، فهذا يرد ما أعطت أو بارت به عليها متى ما قامت، ويمضي الفراق على كل حال بينهما؛ لأنه طلاق من الزوج.
وهذه مثل الذي يبارى عنها بغير علمها من أب أو أخ، فيمضي الفراق، ولها الرجوع على زوجها بما وضع له، أو أعطى من مالها بغير علمها، فالصغيرة والسفيهة واحدة، فافهم، والحميل الذي ذكرت في مسألتك للمباراة وما لحق بها ضامن، إن كان ممن لا يولى على مثله أيضا، فالحميل هاهنا والذي بارا عن المرأة بغير علمها ولا أمرها، سواهما غارمان، غير أن الزوج في هذا يرجع على الذي عامله إذا رجعت عليه، المرأة، والذي بارى عن الصبية لا يرجع بشيء؛ لأن الصبي لا يرجع عليه، والصبية بمنزلة السفيه الذي يبيع فيبطل ثمنه عنه، ولا يكون للمشتري عليه فيه رجعة، وكذلك حميله. وحميله أولى بالبعد من الرجوع بالصبية في مسألتك بهذا المجرى.
قال محمد بن رشد: قوله: إن البكر التي لا أب لها ولا وصي، إذا بارى عنها وليها، أو بارت هي عن نفسها، وإن الصغيرة التي يزوجها أبوها فيهلك عنها، ثم يباريها زوجها قبل البناء بها، يمضي الفراق عليه، ويرجع بما وضعت من صداقها وهي صغيرة أو بكر سفيهة، أو وضعه وليها إذا لم يكن أبا ولا وصيا، بمنزلة الذي يباري عنها بغير علمها أبوها أو أخوها يمضي الفراق على كل حال؛ لأنه طلاق من الزوج، وترجع على زوجها بما وضع أو أعطى له من مالها بغير علمها صحيح على مذهب ابن القاسم خلاف قول سحنون في البكر التي لا أب لها ولا وصي، إن أفعالها جائزة، وقد مضى ذلك له في رسم الصبرة من سماع يحيى، وقوله: إن الحميل الذي تحمل للزوج بما أدركه من قبل البكر، أو الصغيرة، في مباراته إياهما ضامن إن كان لا يولى على مثله صحيح أيضا، لا اختلاف فيه وسواء أقام الولي عنها فأبطل ما وضعت عن الزوج، أو قامت هي عن نفسها، إلا أن يكون إنما تحمل بما أدركه منها، فلا يلزمه ضمان، إلا أن تكون هي القائمة في ذلك عن نفسها.
قاله في نوازله من كتاب الكفالة والحوالة. وقوله: والحميل هاهنا، والذي بارا عن المرأة بغير علمها ولا أمرها سواهما غارمان، هو مثل ما في كتاب الصلح من المدونة. ومثل قول أصبغ في الواضحة: إن المصالح ضامن وإن لم يشترط عليه للضمان، خلاف ظاهر ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة.
وما مضى في أول رسم ابتاعه من سماع يحيى. وما ذكر ابن حبيب في كتاب الوثائق، إنه لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الضمان. وأما قوله: غير أن الزوج يرجع في هذا على الذي عامله إذا رجعت عليه المرأة، والذي بارى على الصبية لا يرجع بشيء، فمعناه: غير أن الزوج يرجع في هذا على الذي عامله، وعلى الحميل الذي تحمل له إذا رجعت عليه المرأة، والذي بارى الصبية ولم يباره عنها أحد، لا يرجع بشيء إذا لم يأخذ ضامنا.
وأما إذا أخذ ضامنا من الصبية في مباراته إياها، فإنه يرجع عليه، كما يرجع على الذي بارى عن المرأة بغير علمها ولا أمرها، وإنما تفترق المسألتان، إذا لم يأخذ هاهنا من الصبية في مباراته إياها، فلا يرجع عليها. ويرجع على الذي بارى عن المرأة بغير علمها ولا إذنها، وإن لم يقل أنا ضامن، وقد قيل: إنه لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الضمان ذكرناه. ولابن دينار في المدينة قول ثالث إنه إن كان أبا أو ابنا أو أخا فهم ضامنون، وأما غيرهم فلا، وبالله التوفيق.